هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
النائب المهندس أشرف جمعة يهنئ حجاج  بيت الله الحرام بسلامة العودة من الديار الحجازية

حج مبرور وسعي مشكور وتجارة لن تبور


    موقعة حطين والطريق إلى بيت المقدس ( 2 ـ 2)

    مكتب النائب
    مكتب النائب
    Admin


    المساهمات : 291
    تاريخ التسجيل : 08/08/2010

    موقعة حطين والطريق إلى بيت المقدس ( 2 ـ 2)  Empty موقعة حطين والطريق إلى بيت المقدس ( 2 ـ 2)

    مُساهمة  مكتب النائب الإثنين أغسطس 23, 2010 11:21 am

    الإسلامي فحسب بل في تاريخ العالم أجمع ؛ لأنها مهدت السبيل لفتح بيت المقدس وتحريره من أيدي الصليبيين ، ونحن الآن في أمس الحاجة إلى دراسة وقائع تلك المعركة ومحاولة الاستفادة منها في المعركة المرتقبة لتحرير بيت المقدس من جديد إن شاء الله ..
    وبداية نقول : إن تلك المعركة ( حطين ) لم تكن مجرد معركة طارئة مثل مئات المعارك التاريخية ، وإنما تميزت عن غيرها بأنها قد سبقت بمعارك كثيرة كانت بمثابة التمهيد لها ، كما أنها قد سبقت بأحداث عظام على أرض الواقع ، ولولا تلك الأحداث ما تمكن صلاح الدين من الوصول إلى ما وصل إليه من قوة استطاع أن يزلزل بها الأرض من تحت أقدام أعدائه ..
    وأبرز تلك الأحداث هي القضاء على نظام الحكم الفاطمي أو العبيدي الذي يمثل أسوأ نظم الحكم في عصره ، هذا الحكم الذي كان سببا في سقوط بيت المقدس من قبل بعد أن اغتصبه الفاطميون من السلاجقة ، ثم تقاعسوا في الدفاع عنه وحمايته ، ولم يكتفوا بذلك بل صاروا يتعاونون مع الصليبيين ضد الحركات التحريرية في السر تارة وفي العلن أخرى ، حتى وصلت البجاحة بشاور ـ الذي كان يمثل الوزير الأعظم المدبر للدولة الفاطمية قبيل سقوطها ـ أن استدعى القوات الصليبية ، وأغراها بالمال الوفير من أجل محاربة جيوش نور الدين زنكي ، تلك القوات التي وهبت نفسها لجهاد الصليبيين .
    يقول ابن الأثير : فأرسل شاور إلى الفرنج يستمدهم ويخوفهم من نور الدين إن ملك مصر ، ويطلب منهم أن يساعدوه على إخراج أسد الدين من مصر ، فسارعوا إلى تلبية دعوته ونصرته ، وطمعوا في ملك الديار المصرية، وكان قد بذل لهم مالاً على المسير إليه.. (1)
    وذكر هذا الخبر أيضا أبو الفدا في كتابه " المختصر في أخبار البشر " حيث قال : وأرسل شاور إلى الفرنج واستنجدهم،.. وصانعهم على ألف ألف دينار ( أي حوالي 4 آلاف كيلو جرام ذهب ) يحملها إليهم "(2).
    وكان من قبل قد أشعل النار في الفسطاط ، فبقيت النار تحرق في قصورها وزروعها ومتاجرها أربعة وخمسين يوماً( 3) ....
    كل ذلك من أجل أن يحافظ على ملكه ولا يهمه أن تخرب البلد ، وتحرق ممتلكاتها ، ويجلب لها أعداؤها ؛ كحال الملوك المستبدين الذين طالما بليت مصر بهم على مر تاريخها السحيق ..
    وقد صور ابن تغري بردي استبداد شاور هذا بقوله : " وأقام شاور بالقاهرة على عادته يظلم ويقتل ويصادر الناس، وأعطى الفرنج الأموال وأقطعهم الإقطاعات ، وأنزلهم دور القاهرة ، وبنى لهم أسواقاً تخصهم (4).
    ولذلك أيقن نور الدين ـ رحمه الله ـ أنه لا يمكن الخلاص إلى بيت المقدس طالما بقيت مصر في أيدي هؤلاء الحكام المستبدين ( العبيديين ) فأصر على أن يحرر مصر منهم ، وبعث أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي لتلك المهمة ..
    وفي مصر وجد عامة الناس الفرج في هذين القائدين ، حتى إنهم انضموا لقوة صلاح الدين عندما حوصر في الإسكندرية أربعة أشهر من قبل الصليبيين وجيش الفاطميين على السواء ، وظلوا يقاتلون معه ويقوونه بالمال حتى فك حصره (5).
    ولم يقل أحد منهم : إن صلاح الدين وعمه أسد الدين غرباء عن البلد وليسا وطنيين ، ولم يقل أحد منهم : إن الجيش الفاطمي هو الجيش الوطني الذي يجب مناصرته وإن كان باغيا ، وإنما كان الحس الإيماني والشعور بالظلم هو الذي يحركهم ..
    وهذا كان دافعا آخر لنور الدين لأن يبذل ما في وسعه للقضاء على العبيديين وحلفائهم ، فكرر حملاته حملة تلو أخرى ، وأمد شيركوه بالجيش تلو الجيش حتى تمكن من دحر جيشهم وحلفاء شاور من الصليبيين ، وأخيرا في محو حكمهم من مصر تماما بعد أن أصدر الأمر لصلاح الدين بخلع العاضد آخر ملوكهم ..
    وصارت مصر بعد ذلك مع الأقطار الشامية المحررة جبهة واحدة ضد الصليبيين ، بل صارت بعد وفاة نور الدين الموطن الأول لتلك الجبهة ، حتى تمكنت من دحض الصليبيين والتتار على السواء ..
    ولم تكن حكومة مصر الفاطمية هي الوحيدة التي داهنت الصليبيين ووقفت معهم ضد مشروع التحرر ، وإنما كان ثمة بعض الأمراء الشاميين ضعاف الإيمان الذين استهوتهم الدنيا ورضوا بالدنية ، وتحالفوا مع الصليبيين وسالموهم ، وصار بأسهم بينهم شديد .
    إلا أن صلاح الدين تمكن من كسب قلوب من بقي في قلبه خير ، ودحر الباقين الذين ظلوا على ضلالتهم ، يقول ابن كثير : فلما تمهدت البلاد ( مصر ) ولم يبق بها رأس من الدولة العبيدية برز السلطان صلاح الدين يوسف في الجيوش التركية قاصدا البلاد الشامية ، وذلك حين مات سلطانها نور الدين محمود بن زنكي وأخيف سكانها وتضعضعت أركانها، واختلف حكامها، وفسد نقضها وإبرامها، وقصده جمع شملها والإحسان إلى أهلها، وأمن سهلها وجبلها، ونصرة الإسلام ، ودفع الطغام ، وإظهار القرآن ، وإخفاء سائر الأديان، وتكسير الصلبان في رضا الرحمن، وإرغام الشيطان . (6)..
    واشتد صلاح الدين على الأمراء الخونة كما اشتد عليهم نور الدين من قبل حتى خضعوا له جميعا..
    وبعد أن تخلص منهم كان لا بد أن يتخلص من مساوئ أنظمتهم أيضا ؛ لأنهم قد وصلوا بالبلاد إلى حالة لا تسمح لها بأن تتولى حركة التحرر وإن كانت الرغبة في الجهاد قائمة في قلوب العوام ، وكان لا بد من إصلاح البيئة التي تنجب المجاهدين ..
    فأبطل المكوس والضرائب ، وأحي شعيرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ( 7) يقول المقريزي : فلما ملك السلطان الناصر صلاح الدين أمر بإسقاط مكوس مصر والقاهرة ، وكان جملة ذلك في كل سنة: مائة ألف دينار ( 400 كيلو جرام ذهب ) كانت تجبى من الكادحين من الشعب دون مراعاة لأحوالهم ( .
    وذكر ابن أبي طيّ: أن مجموع ما أسقطه صلاح الدين حتى سنة أربع وستين وخمسمائة ما يزيد عن نيف ألف ألف دينار.
    وأبشع تلك المكوس التي أسقطها ما كان يفرض على الحجاج بمكة، فقد كان يؤخذ من الحجاج شيء كثير، ومن عجز عن أدائه حبس عن الحج حتى يفوته الوقوف بعرفة ..
    وكان ابن جبير الرحالة حاضرا لموسم الحج الذي أصدر فيه صلاح الدين هذه الأوامر ، فأثنى عليه كثيرا ، وقال : ومن مفاخر هذا السلطان التي أبقاها ذكراً جميلاً للدين والدنيا : إزالته رسم المكس المضروب وظيفة على الحجاج مدة دولة العبيديين ، فكان الحجاج يلاقون من الضغط في أدائها عنتاً مجحفاً ، ويسامون فيها خطة خسف باهظة ، وربما ورد منها من لا فضل لديه على نفقته ولا نفقة عنده فيلزم أداء الضريبة المعلومة، ومن يعجز عن ذلك يتناول بأليم العذاب ...
    مكوس كانت في البلاد المصرية ، وسواها ضرائب على كل ما يباع ويشترى مما دق أو جل، حتى كان يؤدى على شرب ماء النيل المكس فضلاً عما سواه ، فمحا هذه البدع اللعينة كلها ( 9) .
    وقد سعى لإرضاء أمير مكة من ماله مقابل ألا يبتز الحجاج ، وعوضه بمال أقطعه إياه بمصر، وتعهد له بأن يحمل إليه في كل سنة ثمانية آلاف أردب إلى مكة.
    ورغم ذلك استغل هذا الأمير فيما بعد غياب صلاح الدين وانشغاله بالجهاد فأعاد ظلمه ، حتى تمنى ابن جبير لو يذهب إليه صلاح الدين ويجاهده قبل المشركين وقال : فأحق بلاد الله بأن يطهرها السيف ويغسل أرجاسها وأدناسها بالدماء المسفوكة في سبيل الله هذه البلاد الحجازية لما هم عليه من حل عرى الإسلام ، واستحلال أموال الحاج ودمائهم (10 ).
    ثم حرص صلاح الدين بعد ذلك على تحري العدل بين الرعية ، وكان لا يطمع أحد من خاصته في جاهه ، فقد حضره أحد مماليكه المتميزين لديه بالخطة والأثرة مستعدياً على جمال ذكر أنه باعه جملاً معيباً ، أو صرف عليه جملاً بعيب لم يكن فيه ، وهو يطمع أن ينحاز السلطان له ، ولكنه تفاجأ به يقول له : ما عسى أن أصنع لك، وللمسلمين قاض يحكم بينهم، والحق الشرعي مبسوط للخاصة والعامة، وأوامره ونواهيه ممتثلة، وإنما أنا عبد الشرع وشحنته، والشحنة عندهم صاحب الشرطة، فالحق يقضى لك أو عليك ( 11) .
    وكان من عادته أن يجلس للعدل كل يوم اثنين وخميس في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء ، ويفتح الباب للمتحاكمين حتى يصل إليه كل أحد من كبير وصغير ، وكان يفعل ذلك سفراً وحضراً ، ولم يرد قاصداً للحوادث والحكومات ، وكان يجلس مع الكاتب ساعة إما في الليل أو في النهار ، ويوقع على كل قصة بما يجريه الله على قلبه ، ولم يرد قاصداً أبداً أو منتحلاً ، ولا طالب حاجة (12 ) ومع كثرة تلك المشاغل يقول ابن شداد الذي كان مرافقا له : إنه كان دائم الذكر والمواظبة على التلاوة ..
    ــــــــــــــــــــــــــــــــ
    الهوامش :
    [1] ـ الكامل في التاريخ - (5 / 90) .
    2ـ المختصر في أخبار البشر - (1 / 339 و340)
    3ـ المختصر في أخبار البشر - (1 / 340)
    4ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - (2 / 100)..
    5 ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - (2 / 101)
    6 ـ البداية والنهاية - (ج 12 / ص 354).
    7 ـ البداية والنهاية - (ج 12 / ص 355) .
    8 ـ المواعظ والاعتبار - (1 / 131)
    9 ـ رحلة ابن جبير - (1 / 9) ..
    10 ـ رحلة ابن جبير - (ج 1 / ص 97)
    11 ـ النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية - (ج 1 / ص .
    12 ـ النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية - (ج 1 / ص .
    المصدر : موقع التاريخ

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:44 pm